الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
فأجاب بقوله : نواقض الوضوء ممّا حصل فيه خلاف بين أهل العلم ، لكن نذكر ما يكون ناقضاً بمقتضى الدليل : الأول : الخارج من السبيلين ، أي الخارج من القُبُل أو من الدُّبُر ، فكل ما خرج من القُبل أو الدبر فإنه ناقض الوضوء، سواءً كان بولاً أم غائطاً ، أم مذياً ، أم منياً ، أم ريحاً ، فكل شيء يخرج من القبل أو الدبر فإنه ناقض للوضوء ولا تسأل عنه ، لكن إذا كان منيّاً وخرج بشهوة ، فمن المعلوم أن يوجب الغسل ، وإذا كان مذياً فإنه يوجب غسل الذكر والأنثيين مع الوضوء أيضاً . الثاني : النوم إذا كان كثيراً بحيث لا يشعر النائم لو أحدث ، فأما إذا كان النوم يسيراً يشعر النائم بنفسه لو أحدث فإنه لا ينقض الوضوء ، ولا فرق في ذلك أن يكون نائماً مضطجعاً أو قاعداً معتمداً أو قاعداً غير معتمد ، فالمهم حالة حضور القلب ، فإذا كان بحيث لو أحْدث لأحسَّ بنفسه فإن وضوءه لا ينتقض ، وإن كان في حال لو أحْدث لم يحسّ بنفسه ، فإنه يجب عليه الوضوء ، وذلك لأن النوم نفسه ليس بناقض وإنما مظنة الحدث ، فإذا كان الحدثُ مُنتقياً لكون الإنسان يشعر به لو حصل منه ، فإن لا ينتقض الوضوء . والدليل على أن ألنوم نفسه ليس بناقض أن يسيره لا ينقض الوضوء ، ولو كان ناقضاً لنقض يسيرهُ وكثيرهُ كما ينقض البولُ يسيرهُ وكثيره . الثالث : أكل لحكم الجزور ، فإذا أكل الإنسان من لحم الجزور ، الناقة أو الجمل ، فإنه ينتقض وضوؤه سواءً كان نيِّا أو مطبوخاً ، لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن سمرة ، فأجاب بقوله : الواجب على من به سلس بول أن لا يتوضأ للصلاة إلا بعد دخول وقتها . فإذا غسل فرجَه تلجَّم بشيء حتى لا تتعدى النجاسة إلى ملابسه وبدنه ، ثم يتوضأ ويصلي ، وله أن يصلي الفروض والنوافل . وإذا أراد نافلة في غير وقت صلاة فإنه يفعل ما ذكرنا من التحفّظ والوضوء ويصلي . فأجاب قائلاً : إن كان لا يتمكن من حبس تلك الغازات ، بمعنى أنها تخرج بغير اختياره ، فإذا كانت مستمرة معه فإن حُكمها حكم من به سلس البول ، يتوضأ للصلاة عند دخول وقتها ويصلي ، وإذا خرج منه شيء أثناء الصلاة فإن صلاته لا تبطل بذلك ، لقوله تعالى : فأجاب بقوله : هذا لا ينقض الوضوء لأنه لا يخرج من محل نجس كالريح التي تخرج من الدبر . فأجاب بقوله : الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء قلَّ أو كَثُر إلا البول والغائط ، وذلك أن الأصل عدم النقض ، فمن ادَّعى خلاف الأصل فعليه الدليل ، وقد ثبتت طهارة الإنسان بمقتضى دليل شرعي ، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي ، ونحن لا نخرج عما دلَّ عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأننا متعبدون بشرع الله لا بأهوائنا ، فلا يسوغ لنا أن نلزم عباد الله بطهارة لم تجب لا أن نرفع عنهم طهارة واجبة . فإنْ قال قائل : قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ . قلنا : هذا الحديث قد ضعَّفه أكثر أهل العلم ، ثم نقول : إن هذا مجرد فعل ، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب ، لأنه خالٍ من الأمر ، ثم أنه معارضٌ بحديث - وإن كان ضعيفاً : - أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ . وهذا يدل على أن وضوءه من القيء ليس للوجوب . وهذا هو القول الراجح ، أن الخارج من بقية البدن لا ينقض الوضوء وأن كَثُر ، سواءًَ كان قيئاً أو لعاباً أو دماً أو ماء جروح أو أي شيء آخر ، إلا أن يكون بولاً أو غائطا مثل أن يفتح لخروجهما مكان من البدن فإن الوضوء ينقتض بخروجهما منه . فأجاب بقوله : هذه المسألة فيها تفصيل : أولاً : الدم الخارج من حيوان نجسٍ ، نجسٌ قليله وكثيره ُ ، ومثالُه : الدم الخارج من الخنزير أو الكلب فهذا نجس قليله وكثيره بدون تفصيل سواء خرج منه حياً أم ميتاً . ثانياً: الدم الخارج من حيوان طاهر في الحياة ، نجس بعد الموت فهذا إذا كان في حال الحياه فهو نجس ، لكن يُعفى عن يسيره . مثال ذلك : الغنم والإبل فهي طاهرة في الحياة نجسة بعد الموت ، والدليل على نجاستها بعد الموت ، قوله تعالى : ثالثاً : الدم الخارج من حيوان طاهر في الحياة وبعد الموت وهذا طاهر ، إلا أنه يستثنى منه عند عامة العلماء دم الآدمي ، فإن دم الآدمي دمُ خارج من طاهر في الحياة وبعد الموت ، ومع ذلك فإنه عند جمهور العلماء نجس لكنه يُعفى عن يسيره . رابعاً : الدم الخارج من السبيلين: القُبُل أو الدبر، فهذا نجس ولا يُفي عن يسيره ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، لمّا سألته النساء عن دم الحيض يصيب الثوب أمر بغسله بدون تفصيل . وليعلم أنَّ الدم الخارج من الإنسان من غير السبيلين لا ينقض الوضوء ، لاقليله ُ ولا كثيرهُ كدم الرُّعاف ، ودم الجرح ، بل نقول : كل خارج من غير السبيلين من بدن الإنسان ، فإنه لا ينقض الوضوء مثل الدم وماء الجروح وغيرها . فأجاب فضيلته بقوله : الدم الخارج من الإنسان إن كان من السبيلين القبل أوالدبر، فهو نجس وناقض للوضوء قلَّ أم كَثُر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، أمر النساء بغسل دم الحيض مطلقاً ، وهذا دليل على نجاسته ، وأنه لا يُعفي عن يسيره ، وهو كذلك فهو نجس لا يُعفي عن يسيره وناقض للوضوء قليله وكثيره . واما الدم الخارج من بقية البدن : من الأنف أو من السِّن أو من جرح أو مأ أشبه ذلك ، فإنه لا ينقض الوضوء قل أو كثر ، هذا هو القول الراجح أنه لا ينقض الوضوء شيء خارج من غير السبيلين من البدن سواء من الأنف أو من السن أو من غيره وسواء كان قليلاً أو كثيراً ، لأنه لا دليل على انتقاض الوضوء به ، والأصل بقاء الطهارة حتى يقوم دليل على انتقاضها . وأما نجاسته فالمشهور عند أهل العلم أنه نجس وأنه يجب غسله إلا أنه يُعفي عن يسيره لمشقة التحرُّز منه والله أعلم . فأجاب بقوله : نعم ينتقض الوضوء بالإغماء ، لأن الإغماء أشدُّ من النوم ، والنوم يَنقض الوضوء إذا كان مستغرقاً، بحيث لا يدري النائم لو خرج منه شيء، أمّا النوم اليسير الذي لو أحدث النائم لأحسُّ بنفسه ، فإن هذا النوم لا ينقض الوضوء ، سواء من مُضطجع أو قاعد متكئ أو قاعد غير متكئ ، أو أي حال من الأحوال ، ما دام لو أحدث أحسَّ بنفسه ، فإنه نومه لا ينقض الوضوء ، فالإغماء أشد من النوم فإذا أُغمي على الإنسان ، فإنه يجب عليه الوضوء. فأجاب بقوله : تدهن المرأة بالكريم أو بغيره من الدهون لا يبطل الوضوء بل ولا يبطل الصيام أيضا، وكذلك دهنه بالشفه لا يبطل الوضوء ولا يبطل الصيام، ولكن في الصيام إذا كان لهذه التحريمات طعم فإنها لا تستعمل على الوجه ينزل طعمها إلى جوفها . فأجاب فضيلته بقوله : الصحيح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا ، إلا إذا خرج منه شيء، ودليل هذا ما صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم ، أنه قبل بعض نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ . ولأن الأصل عدم النقض حتى يقوم دليل صريح صحيح على النقض، ولأن الرجل أتم طهارته بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي . فإن قيل : قد قال الله عز وجل في كتابه : فالجواب : أن المراد بالملاسة في الآية الجماع، كما صح ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ثم إن هناك دليلا من تقسيم الآية الكريمة إلى أصلية، وبدلية ، وتقسيم للطهارة إلى كبرى ، وصغرى. وتقسيم لأسباب الطهارة الكبرى ، والصغرى. قال الله تعالى: وعلى هذا فالقول الراجح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا ، سواء بشهوة أو بغير شهوة إلا أن يخرج منه شيء ، فإن خرج منه شيء وجب عليه الغسل إن كان الخارج منيا ، ووجب عليه غسل الذكر والأنثيين مع الوضوء إن كان مذيا . فأجاب قائلا : المشهور من المذهب أن مس الذكر ناقض للوضوء، وعلى هذا فإذا مس ذكره أثناء غسله لزمه الوضوء بعد ذلك، سواء تعمد مس ذكره أم لا . والقول الثاني : أن مس الذكر ليس بناقض للوضوء، وإنما يستحب الوضوء منه استحبابا وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أقرب إلى الصواب ، لاسيما إذا كان عن غير عمد لكن الوضوء أحوط . فأجاب بقوله : لمس ذكر المريض وخصيتيه لا ينقض الوضوء سواء من وراء حائل أو مباشرة على القول الراجح. فأجاب فضيلته قائلا : إذا وضأت المرأة طفلها أو طفلتها ومست الفرج فإنه لا يجب عليها الوضوء وإنما تغسل يديها فقط، لأن مس الفرج لغير شهوة لا يجب الوضوء، ومعلوم أن المرأة التي تغسل أولادها لا يخطر ببالها الشهوة فهي إذا وضأت الطفل أو الطفلة فإنما تغسل يديها فقط من النجاسة التي أصابتها ولا يجب عليها أن تتوضأ. فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله : تغسل الميت لا ينقض الوضوء ، وذلك أن النقض يحتاج إلى دليل شرعي يرتفع به الوضوء الثابت بدليل شرعي، ولا دليل على أن تغسيل الميت ينقض الوضوء. ولهذا يجب علينا أن نتحرى في مسألة نقض الوضوء، فلا نتجرأ على القول بأن هذا ناقض إلا إذا وجدنا دليلا بينا يكون لنا حجة عند الله سبحانه وتعالى . فأجاب فضيلته قائلا : نعم يلزم إعلامه، لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين ذكروه بما نسي من صلاته قال لهم : ويتفرع عن هذه القاعدة وهي وجوب إعلام الغافل بما نسي من واجب أو فعل من محرم يتفرع منها ما لو رأيت صائما في رمضان يشرب ناسيا فالواجب تذكيره . ومن ثم فإنه يلزمك إعلامه وعلى الرجل أن يعيد صلاته . فأجاب - أجزل الله له المثوبة - بقوله : المشهور عند فقهائنا - رحمهم الله - أن كل ما أوجب غسلا أوجب وضوء إلا الموت ؛ وبناء على ذلك فإنه لابد لمن اغتسل من موجبات الغسل أن ينوي الوضوء ، فأما أن يتوضأ مع الغسل ، وإما أن ينوي بغسله الطهارة من الحدثين . وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إلى أن نية الاغتسال عن الحدث الأكبر تغني عن نية الوضوء، لأن الله عز وجل قال: فأجاب قائلا : أخذ الإنسان من شعره أو ظفره أو جلده لا ينقض الوضوء. وبهذا المناسبة أحب أن أبين أن الشعور ينقسم أخذها إلى أقسام : القسم الأول : الشعور التي أمر الشارع بإزالتها مثل : شعر العانة والإبطين والشارب أمر بقصه. القسم الثاني : الشعور التي نهى الشارع عن إزالتها : شعر اللحية قال النبي صلى الله عليه وسلم : القسم الثالث : الشعور التي سكت عنها الشارع، كالرأس والساق والذراع وبقية شعور الجسم . فيما سكت عنه الشارع، فقد قال بعض العلماء : إنه منهي عن أخذه تغيرا لخلق الله من أوامر الشيطان، لقوله تعالى : والشعور التي أمر الشارع بإزالتها، مدتها أربعون يوما، قال أنس بن مالك رضي الله عنه : لكن بعض الناس يأبى إلا أن تكون أظفاره طويلة، وبعض الناس يأبى إلا أن يكون ظفر الخنصر طويلا مع أن فيه مخالفة للشريعة، ويلحقه كذلك بالسباع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : فأجاب قائلا : من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو باق على طهارته، ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو باق على حدثه، لأن القاعدة أن اليقين لا يزول بالشك، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وهذه قاعدة مهمة ، ولها فروع كثيرة جدا ، وهي مبنية على حديث أبي هريرة، وعبد الله بن زيد - رضي الله عنهما - في الرجل يجد الشيء في بطنه، ويشكل عليه هل خرج منه شيء أم لا؟ قال النبي ، صلى الله عليه وسلم: فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله : الشك في الطهارة نوعان : أحدهما: شك في وجودها بعد تحقق الحدث . والثاني : شك في زوالها بعد تحقق الطهارة . أما الأول وهو الشك في وجودها بعد تحقق الحدث كأن يشك الإنسان هل توضأ بعد حدثه أم لم يتوضأ؟ ففي هذه الحال يبني على الأصل ، وهو أنه لم يتوضأ ، ويجب عليه الوضوء، مثال ذلك : رجل شك عند أذان الظهر هل توضأ ، بعد نقضه وضوئه في الضحى أم لم يتوضأ؟ فنقول له : ابن على الأصل ، وهو أنك لم تتوضأ، ويجب عليك أن تتوضأ. أما النوع الثاني ، وهو الشك في زوال الطهارة بعد وجودها، فإننا نقول : أيضا ابن على الأصل ولا تعتبر نفسك محدثا. مثاله : رجل توضأ في الساعة العاشرة، فلما حان وقت الظهر شك هل انتفض وضوؤه أم لا؟ فنقول له : إنك على وضوئك، ولا يلزمك الوضوء حينئذ؛ وذلك لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه . ويشهد لهذا الأصل قول النبي صلى الله عليه وسلم : فيمن وجد في بطنه شيئا فأشكل عليه ، أخرج منه شيء أم لا؟ قال : وأما الشك في فعل أجزاء الطهارة، مثل أن يشك الإنسان هل غسل وجهه في وضوئه أم لا؟ وهل غسل يديه أم لا؟ وما أشبه ذلك فهذا لا يخلو من أحوال : الحال الأولى : أن يكون مجرد وهم طارئ على قلبه، هل غسل يديه أم لم يغسلهما وهما ليس له مرجح، ولا تساوى عنده الأمران بل هو مجرد شيء خطر في قلبه ، فهذا لا يهتم به ولا يلتفت إليه . الحال الثانية : أن يكون كثير الشكوك كلما توضأ مثلا فإذا غسل قدميه شك هل مسح رأسه أم لا؟هل مسح أذنيه أم لا؟ هل غسل يديه أم لا؟ فهو كثير الشكوك، فهذا لا يلتفت إلى الشك ولا يهتم به . الحال الثالثة : أن يقع الشك بعد فراغه من الوضوء، فإذا فرغ من الوضوء شك هل غسل يديه أم لا؟ أو هل مسح رأسه، أو هل مسح أذنيه؟ فهذا أيضا لا يلتفت إليه، إلا إذا تيقن أنه لم يغسل ذلك العضو المشكوك فيه فيبني على يقينه . الحال الرابعة : أن يكون شكا حقيقيا وليس كثير الشكوك ، وحصل قبل أن يفرغ من العبادة، ففي هذه الحال إن ترجح عنده أنه غسله اكتفى بذلك. وإن لم يترجح عنده أنه غسله وجب عليه أن يبني على اليقين، وهو العدم، أي أنه لم يغسل ذلك العضو الذي شك فيه فيرجع إليه ويغسله ، وما بعده ، وإنما أوجبنا عليه أن يغسل ما بعده مع أنه قد غسل، من أجل الترتيب ، لأن الترتيب بين أعضاء الوضوء واجب كما ذكر الله تعالى، وقال النبي صلى الله عليه وسلم حين أقبل على الصفا: فأجاب قائلا : الشكوك التي ترد على العقول في العبادات والمعتقدات وغيرها وحتى في ذات الله تعالى كلها من الشيطان، ولذا لما شكا الصحابة رضي الله عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يجدون في نفوسهم مما يتعاظمون به أخبرهم صلى الله عليه وسلم : ونقول لهذا المسئول عنه: إن الواجب عليه أن يستعيذ بالله من الشيطان، ولا يلتفت إلى الوساوس التي ترد على ذهنه لا في الوضوء ولا في الصلاة ولا في غيرها ، وهذا الشك دليل على خلوص الإيمان ولكنه في نفس الوقت إذا استرسل معه كان دليلا على ضعف العزيمة . ونقول له: لا وجه لهذا الشك فأنت مثلا حين تذهب إلى السوق لبيع أو شراء هل تشك فيما أتيت به من السوق، والجواب : لا ، ذلك لأن الشيطان لا يوسوس للإنسان في مثل هذه الأمور، لكنه يوسوس له في العبادات ليفسدها عليه ، فإذا كثرت الشكوك فلا يلتفت إليها . وكذلك إذا كان الشك بعد الفراغ من العبادة فلا تلتفت إليه إلا أن تتيقن الخلل، والشك بعد الفعل لا يؤثر . أما شكك في المطعومات التي أصلها الحل فلا عبرة به، فقد أهدت امرأة يهودية في خيبر شاة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأكل منها ، ودعاه يهودي وقدم له خبز شعير فأكل من ذلك . وفي صحيح البخاري: فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله : قبل الإجابة على هذا السؤال، أحب أن أبين قاعدة نافعة في باب الحدث وغيره ، وهي أن الأصل بقاء ما كان على ما كان ، وهذا الأصل مبني على ما ثبت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في الرجل يخيل إليه أنه أحدث، فقال : فأجاب - حفظه الله - بقوله : قراءة القرآن لمن عليه حدث أصغر لا بأس بها إذا لم يمس المصحف، لأنه ليس من شرط جواز القراءة أن يكون الإنسان على طهارة، وأما إذا كان عليه جنابة ، فإنه لا يقرأ القرآن مطلقا حتى يغتسل ، ولكن لا بأس أن يقرأ من القرآن ، مثل أن يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، أو يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ، او نحو ذلك من الأذكار المأخوذة من القرآن. فأجاب بقوله : إذا لم يكن في المدرسة ماء ولا بقربها فإنه ينبه على الطلبة ألا يأتوا إلا وهم متطهرون وذلك لأن المصحف لا يلمسه إلا طاهر ففي حديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم له: وأما قول السائل لأن القرآن لا يلمسه إلا المطهرون، فكأني به يريد أن يستدل بهذه الآية على وجب التطهر لمس المصحف ، والآية ليس فيها دليل لهذا لأن المراد بقوله : فأجاب بقوله : هذا محل خلاف ، فقال بعض أهل العلم : لا يحرم على من دون البلوغ مس المصحف، لأنه غير مكلف والقلم مرفوع عنه. ومن العلماء من قال : لا يجوز حتى للصغير أن يمس المصحف بدون وضوء، وعلى وليه أن يلزمه بالوضوء كما يلزمه بالوضوء للصلاة، لأن هذا فعل يشترط لحله الطهارة. فأجاب قائلا : لا بأس من تمكين الصغار من مس المصحف والقراءة منه إذا كانوا على طهارة ولم يحصل منهم إهانة للمصحف . فأجاب - حفظه الله تعالى - قائلا : تجوز كتابة القرآن بغير وضوء ما لم يمسها . أما مس السبورة التي كتبت فيها تلك الآيات فإن فقهاء الحنابلة قالوا : يجوز للصبي مس اللوح الذي كتبت فيه آيات في الموضع الخالي من الكتاب ، أي بشرط أن لا تقع يده على الحروف فهل تحق السبورة بهذا أو لا تلحق؟ هي عندي محل توقف. والله أعلم . فأجاب بقوله كتب التفسير يجوز مسها بغير وضوء لأنها تعتبر تفسيرا ، والآيات التي فيها أقل من التفسير ، ويستدل لذلك بكتابة النبي صلى الله عليه وسلم ، الكتب للكفار وفيها آيات من القرآن الكريم ، فدل هذا على أن الحكم للأغلب والأكثر . أما إذا تساوى التفسير والآيات ، فعلى القاعدة المعروفة عند أهل العلم ، أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر ولم يتميز أحدهما برجحان ، فإنه يغلب جانب الحظر وعلى هذا فإذا كان القرآن والتفسير متساويين أعطي حكم القرآن ، وإذا كان التفسير أكثر ولو بقليل أعطي حكم التفسير. فأجاب - حفظه الله تعالى - قائلا حكم هذه المسألة ينبني على الخلاف في سجدتي التلاوة والشكر، هل هما صلاة أم لا؟ فإن قلنا هما صلاة وجبت لهما الطهارة، وإن قلنا إنهما غير صلاة لم تجب لهما الطهارة، والمتأمل للسنة يدرك أنهما ليستا صلاة ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسجد للتلاوة ، ولم ينقل عنه أنه كان يكبر إذا سجد ولا إذا رفع ولا يسلم ، إلا في حديث رواه أبو داود في التكبير للسجود دون الرفع منه ودون التسليم، فمن تأمل سجود الرسول صلى الله عليه وسلم للتلاوة أو الشكر تبين له أنه لا ينطبق عليه تعريف الصلاة ، وعليه فلا تكون سجدة التلاوة وسجدة الشكر من الصلاة ، وحينئذ لا يحرم على من كان محدثا أن يسجد للتلاوة أو الشكر ، وقد صح عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يسجد للتلاوة بدون وضوء . ولكن لا ريب أنه الأفضل أن يتوضأ الإنسان ، لاسيما وأن القارئ سوف يتلو القرآن ، وتلاوة القرآن يشرع لها الوضوء لأنها من ذكر الله، وكل ذكر لله يشرع له الوضوء . أما سجود الشكر ، فاشتراط الطهارة له ضعيف ، لأن سجود الشكر سببه تجدد النعم أو تجدد اندفاع النقم ، وهذا قد يأتي الإنسان وهو محدث ، فإن قلنا : لا تسجد حتى تتوضأ فربما يطول الفصل ، والحكم المعلق بسبب إذا تأخر عن سببه سقط، وحينئذ إما أن نقول : اسجد على غير وضوء ، أو لا تسجد، وسجوده على غير وضوء أولى من تركه .
فأجاب بقوله : موجبات الغسل منها : الأول : إنزال المني بشهوة يقظة أو مناما ، لكنه في المنام يجب عليه الغسل ، وإن لم يحس بالشهوة، لأن النائم قد يحتلم ولا يحس بنفسه، فإذا خرج منه المني بشهوة وجب عليه الغسل بكل حال . الثاني : الجماع ، فإذا جامع الرجل زوجته ، وجب عليه الغسل بأن يولج الحشفة في فرجها ، فإذا أولج في فرجها الحشفة أو ما زاد ، فعليه الغسل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأول : الثالث : من موجبات الغسل خروج دم الحيض والنفاس، فإن المرأة إذا حاضت ثم طهرت ، وجب عليها الغسل لقوله تعالى : وصفة الغسل من الحيض والنفاس كصفة الغسل من الجنابة ، إلا أن بعض أهل العلم استحب في غسل الحائض أن تغتسل بالسدر، لأن ذلك أبلغ في النظافة لها وتطهيرها . وذكر بعض العلماء أيضا من موجبات الغسل الموت ، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته : اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) . وبقوله ، صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته راحلته بعرفة وهو محرم : فأجاب قائلا : لا يجب على الرجل ولا على المرأة غسل بمجرد الاستمتاع بالمداعبة أو التقبيل إلا إذا حصل إنزال المني فإنه يجب الغسل على الجميع إذا كان المني قد خرج من الجميع ، فإن خرج من أحدهما فقط وجب عليه الغسل وحده، وهذا إذا كان الأمر مجرد مداعبة أو تقبيل أو ضم ، أما إذا كان جماعا فإن الجماع فيه الغسل على كل حال، على الرجل وعلى المرأة حتى وإن لم يحصل إنزال ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة: فأجاب بقوله : إذا كان هذا منيا فيجب عليه الغسل، والمني المعروف يخرج دفقا بلذة، وإن كان غير مني بأن كان مذيا وهو الذي يخرج من غير إحساس ويخرج عند فتور الشهوة غالبا ، إذا اشتهى الإنسان ثم فترت شهوته وجد هذا السائل فإن المذي لا يوجب الغسل وإنما يوجب غسل الذكر والأنثيين فقط مع الوضوء ، وأما المني فإنه يوجب الغسل، وإذا شككت هل هو مني أو مذي فإن الأصل عدم وجوب الغسل، فأصل هذا على أنه مذي تغسل الذكر والأنثيين وما أصاب من ثوب وتتوضأ للصلاة . فأجاب قائلا : إذا لم ينم الإنسان بعد صلاة الفجر فإن صلاة الفجر غير صحيحة لوقوعها وهو جنب حيث تيقن أنه قبل الصلاة. أما إذا كان الإنسان قد نام بعد صلاة الفجر ولا يدري هل هذه البقعة من النوم الذي بعد الصلاة أو من النوم الذي قبل الصلاة فالأصل أنها مما بعد الصلاة، وأن الصلاة صحيحة، وهكذا الحكم أيضا فيما لو وجد الإنسان أثر مني وشك هل هو من الليلة الماضية أو من الليلة التي قبلها، فليجعله من الليلة القريبة وأن يجعله من آخر نومه نامها ، لأن ذلك هو المتيقن وما قبلها مشكوك فيه، والشك في الإحداث لا يوجب الطهارة منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : فأجاب - أعلى الله درجته في المهتدين - بقوله : إذا كان هذا الرجل الذي وجد المني على لباسه لم يغتسل ، فإنه يجب عليه أن يغتسل ويعيد الصلوات التي صلاها وهو على جنابة ، لكن أحيانا يرى الإنسان أثر الجنابة على لباسه ولا يدري أكان في الليلة التي قبلها ، فهل يعتبره من الليلة الماضية القريبة أم من الليلة السابقة؟ الجواب : يعتبره من الليلة الماضية القريبة لأن ما قبل الليلة الماضية مشكوك فيه، والأصل الطهارة، وكذلك لو نام بعد صلاة الصبح واستيقظ ووجد في لباسه أثر الجنابة ولا يدري أهو من النوم الذي بعد صلاة الفجر أو من النوم في الليل ، فهل يلزمه إعادة صلاة الفجر؟ الجواب : لا يلزمه إعادة صلاة الفجر ، لأن نوم الليل مشكوك في حصول الاحتلام فيه، وهكذا اجعلها قاعدة عندك: كلما شككت هل هذه الجنابة من نومة سابقة أو لاحقة فاجعله من اللاحقة . فأجاب بقوله : إذا استيقظ الإنسان فوجد بللا ، فلا يخلو من ثلاث حالات : الحال الأولى : أن يتيقن أنه مني، فيجب عليه حينئذ الاغتسال سواء ذكر احتلاما أم لم يذكر . الحال الثانية : أن يتيقن أنه ليس بمني ، فلا يجب عليه الغسل في هذه الحال، ولكن يجب عليه أن يغسل ما أصابه ، لأن حكمه حكم البول. الحال الثالثة : أن يجهل هل هو مني أم لا؟ ففيه تفصيل : أولا : إن ذكر أنه احتلم في منامه، فإنه يجعله منيا ويغتسل، لحديث أم سلمة - رضي الله عنها - حين سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، هل عليها غسل؟ قال: ثانيا : إذا لم ير شيئا في منامه، فإن كان قد سبق نومه تفكير في الجماع جعله مذيا . وإن لم يسبق نومه تفكير فهذا محل خلاف : قيل : يجب عليه الغسل احتياطا . وقيل : لا يجب وهو الصحيح لأن الأصل براءة الذمة . فأجاب بقوله : هذا السائل الذي يخرج بعد الغسل إذا لم يكن هناك شهوة جديدة أوجبت خروجه فإنه بقية ما كان من الجنابة الأولى ، فلا يجب الغسل منه، وإنما عليه أن يغسله ويغسل ما أصابه ويعيد الوضوء فقط. فأجاب بقوله : الفرق بين المني والمذي ، أن المني غليظ له رائحة، ويخرج دفقا عند اشتداد الشهوة وأما المذي فهو ماء رقيق وليس له رائحة المني، ويخرج بدون دفق ولا يخرج أيضا عند اشتداد الشهوة بل عند فتورها إذا فترت تبين للإنسان . أما الودي فإنه عصارة تخرج بعد البول نقط بيضاء في آخر البول. هذا بالنسبة لماهية هذه الأشياء الثلاثة . أما بالنسبة لأحكامها : فإن الودي له أحكام البول من كل وجه. والمذي يختلف عن البول بعض الشيء في التطهر منه ، لأن نجاسته أخف فيكفي فيه النضح ، وهو أن يعم المحل الذي أصابه بالماء بدون عصر وبدون فرك، وكذلك يجب فيه غسل الذكر كله والأنثيين وإن لم يصبهما . أما المني فإنه طاهر لا يلزم غسل ما أصابه إلا على سبيل إزالة الأثر فقط، وهو موجب للغسل وأما المذي والودي والبول فكلها توجب الوضوء فأجاب بقوله : المذي لا يوجب الغسل، وإنما يوجب غسل الذكر والأنثيين والوضوء ، لكن لو خرج منه مني ولو بالنظر أو بالتفكر وجب عليه الغسل، والفرق بينهما : أن المني يخرج دفقا مع اللذة، والمذي يخرج بغير دفق ، ويكون بعد برود الشهوة . فأجاب قائلا : الذي يبدو أن هذا ليس ناتجا عن الشهوة أو تذكر ، كما جاء في آخر السؤال ، وعلى هذا فلا يعتبر مذيا ولا منيا ، وإنما هي رواسب - فيما يبدو - في قنوات البول ، وتتعقد على هذا الوجه، وتخرج قبل البول وربما بعده أحيانا ، فعليه يكون حكمها حكم البول تماما ، بمعنى أنه يجب تطهيرها وتطهير ما أصابت ويتوضأ ولا يجب أكثر من ذلك . والله الموفق . فأجاب بقوله : الرجل عليه الغسل ، لأنه أنزل ، وأما المرأة فليس عليها غسل لأنه من شرط وجوب الغسل الإيلاج ، ومن المعلوم أن موضع الختان فوق الحشفة مما يلي قصبة الذكر ، فإذا كان كذلك فلا يمس موضع ختان المرأة إلا بعد أن تلج الحشفة ، ولذلك اشترطنا في وجوب الغسل من الجماع أن يغيب الحشفة، وقد ورد في بعض ألفاظ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : فأجاب قائلا : نعم يجب عليهما الغسل ، سواء أنزل أم لم ينزل ، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله : الأحكام المتعلقة بالجنابة هي : أولا : أن الجنب تحرم عليه الصلاة ، فرضها ونفلها، حتى صلاة الجنازة . لقوله تعالى: ثانيا : أن الجنب يحرم عليه الطواف بالبيت ، لأن الطواف بالبيت مكث في المسجد ، وقد قال الله تعالى : ثالثا : أنه يحرم عليه مس المصحف، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم : رابعا : أنه يحرم عليه المكث في المسجد إلا بوضوء لقوله تعالى : خامسا: يحرم عليه قراءة القرآن حتى يغتسل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ الصحابة القرآن ما لم يكونوا جنبا . هذه الأحكام الخمسة التي تتعلق بمن عليه جنابة . فأجاب بقوله : لا يحرم على الجنب ولا الحائض ولا على غير المتوضئ لمس شيء من الكتب أو المجلات التي فيها شيء من الآيات ، لأن ذلك ليس بمصحف . فأجاب - أجزل الله له المثوبة - بقوله : صفة الغسل على وجهين : الوجه الأول : صفة واجبة، وهي أن يعم بدنه كله بالماء، ومن ذلك المضمضة والاستنشاق، فإذا عمم بدنه على أي وجه كان فقد ارتفع عنه الحدث الأكبر وتمت طهارته ، لقول الله تعالى : الوجه الثاني : صفة كاملة وهي أن يغتسل كما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا أراد أن يغتسل من الجنابة فإنه يغسل كفيه ، ثم يغسل فرجه وما تلوث من الجنابة، ثم يتوضأ وضوءا كاملا - على صفة ما ذكرناه في الوضوء - ثم يغسل بالماء ثلاثا تروية ثم يغسل بقية بدنه . هذه صفة الغسل الكامل .
فأجاب قائلا : الغسل من الجنابة أو غيرها من موجبات الغسل فيه إيصال الماء إلى منبت الشعر ، سواء كان ذلك من الرجال أو من النساء، لقوله تعالى: فأجاب بقوله : ما ذكره السائل من أن الرجل إذا دخل مغتسله فإنه يستقبل القبلة عند الغسل ليس بصحيح ؛ فإن جميع الذين نقلوا صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه كان يستقبل القبلة حين اغتساله، ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبينه رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، لأمته ، إما بقوله ، وإما بفعله، فلما لم يرد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود سببه لو كان مشروعا ، علم أنه ليس بمشروع، وهذه قاعدة تنفع الإنسان في هذا المقام وغيره، وهي : "أن كل شيء وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يشرع له قول أو فعل ، فإنه لا يشرع له قول أو فعل ، فإنه لا يشرع له قول ولا فعل". ومن ذلك النية - نية العبادة أي التلفظ بها - فإن العبادات كان الرسول عليه الصلاة والسلام ، يفعلها ولا يتلفظ بالنية لها ، ولو كان هذا مشروعا لفعله ولو فعله لنقل إلينا ، وكذلك استقبال القبلة حين الغسل؛ نقول هذا وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الغسل ، ولم ينقل عنه أنه كان يتجه إلى القبلة حين اغتساله، ولو كان مشروعا لفعله ولو فعله لنقل إلينا . فأجاب فضيلته بقوله : الأفضل أن الإنسان إذا انتهى من الاغتسال أن يلبس ثيابه، لئلا يبقى مكشوف العورة بلا حاجة، ولكن لو توضأ بعد الاغتسال من الجنابة، فلا حاجة عليه في ذلك ووضوؤه صحيح، ولكن هذا الوضوء ينبغي أن يكون قبل أن يغتسل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يتوضأ عند الاغتسال قبل الاغتسال ، أما بعد الغسل فلا وضوء عليه ، ولو أن الإنسان نوى الاغتسال واغتسل بدون وضوء سابق ولا لاحق أجزأه ذلك ، لأن الله تعالى لم يوجب على الجنب إلا الطهارة بجميع البدن،حيث قال عز وجل: فأجاب بقوله : إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئه عن الوضوء، لقوله تعالى : فأجاب قائلا : الغسل غير المشروع لا يجزئ عن الوضوء، لأنه ليس بعبادة. فأجاب قائلا : الاستحمام - إن كان عن جنابة - فإنه يكفي عن الوضوء لقوله تعالى : فإذا ظن أنه أروى بشرته، أفاض عليه ثلاث مرات ، ثم يغسل باقي جسده . أما إذا كان الاستحمام لتنظيف أو لتبرد ، فإنه لا يكفى عن الوضوء، لأن ذلك ليس من العبادة، وإنما هو من الأمور العادية، وإن كان الشرع يأمر بالنظافة لكن لا على هذا الوجه ، بل النظافة مطلقا في أي شيء يحصل فيه التنظيف. وعلى كل حال إذا كان الاستحمام للتبرد أو النظافة فإنه لا يجزئ عن الوضوء . والله أعلم. فأجاب بقوله : لا يصح الغسل بدون المضمضة والاستنشاق ، لأن قوله تعالى : فأجاب بقوله : هاهنا ثلاث مراتب : الأولى : أن يغتسل قبل أن يعود، وهذه أكمل المراتب . الثانية : أن يقتصر على الوضوء فقط قبل أن يعود، وهذه دون الأولى. الثالثة : أن يعود بدون غسل ولا وضوء ، وهذه أدنى المراتب وهي جائزة. لكن الأمر الذي ينبغي التفطن له أن لا يناما إلا على أحد الطهارتين إما الوضوء أو الغسل . فأجاب بقوله : المرأة قد تحتلم، لأن النساء شقائق الرجال، فكما أن الرجال يحتلمون فالنساء كذلك . وإذا احتلمت المرأة أو الرجل كذلك ولم يجد شيئا بعد الاستيقاظ ، أي ما وجد أثرا من الماء فإنه ليس عليها غسل، وإن وجدت الماء فإنه يجب إن تغتسل لأن أم سلمة قالت : يا رسول الله هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال : وأما من احتلمت فيما مضى فإن كانت لم تر الماء فليس عليها شيء ، وأما إن كانت رأته فإنها تتحرى كم صلاة تركتها وتصليها . فأجاب بقوله : الصواب أن التيمم مطهر ورافع للحدث، لقول الله تعالى حين ذكر التيمم : وكذلك من النظر فالتيمم بدل ، والقاعدة الشرعية أن للبدل حكم المبدل وفائدته قولن بدل ، أنه لا يمكن العمل به مع وجود الأصل وهو الماء، فإذا وجد الماء بطل التيمم، ووجب عليه أن يغتسل إن كان تيمم عما يوجب الغسل، وأن يتوضأ إذا كان التيمم عن حدث أصغر لحديث الرجل الذي أصابته جنابة ولا ماء فاعتزل ولم يصل، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم : فأجاب بقوله : إذا تعذر استعمال الماء ، لعدمه أو التضرر باستعماله، فإنه يعدل عن ذلك إلى التيمم ،بأن يضرب الإنسان بيديه على الأرض ثم يمسح بهما وجهه ويمسح بعضها ببعض، لكن هذا خاص بالطهارة من الحدث . أما طهارة الخبث فليس فيها تيمم، سواء كانت على البدن أو على الثوب أو على البقعة، لأن المقصود من التطهر من الخبث إزالة هذه العين الخبيثة، وليس التعبد فيها شرطا، ولهذا لو زالت هذه العين الخبيثة بغير قصد من الإنسان طهر المحل ، فلو نزل المطر على مكان نجس أو على ثوب نجس وزالت النجاسة بما نزل من المطر، فإن المحل يطهر بذلك، وإن كان الإنسان ليس عنده علم بهذا، بخلاف طهارة الحدث فإنها عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل، فلابد فيها من النية والقصد . فأجاب قائلا : إذا كان الإنسان جنبا فإن عليه أن يغتسل، لقول الله تعالى : وإذا تيمم عن الجنابة ، فإنه يكون طاهرا بذلك ويبقى على طهارته حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل، لما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين الطويل، وفيه فأجاب بقوله : لا يجوز أن يتيمم ، بل يجب عليه أن يصبر ويستعمل هذا الماء البارد في الوضوء، إلا إذا كان يخشى من ضرر يلحقه، فإنه لا بأس أن يتيمم حينئذ إذا لم يجد ما يسخن به الماء، وإذا تيمم وصلى فليس عليه إعادة الصلاة، لأنه صلى كما أمر، وكل من أتى بالعبادة على وجه أمر به فإنه ليس عليه إعادة تلك العبادة. أما مجرد أنه يتأذى ببرودته ليس بعذر، فإنه غالبا - ولا سيما ممن لا يكون في البلد، الغالب أنه في أيام الشتاء - لابد أن يكون الماء باردا ويتأذى الإنسان من برودته ولكنه لا يخشى منه الضرر، أما من يخشى من الضرر فإنه لا بأس أن يتيمم، ويصلى ولا إعادة عليه إذا لم يجد ما يسخن به الماء، ولا يجوز أن ينتظر حتى تخرج الشمس ويسخن الماء، بل الواجب عليه أداء الصلاة في وقتها على الوجه الذي أمر به، إن قدر على استعمال الماء بدون ضرر استعمله، وإذا كان يخشى من الضرر تميم، أما تأخير الصلاة حتى خروج الوقت فلا . فأجاب بقوله : نعم إذا حضرت الصلاة ولم يكن عنده ماء فيباح له التيمم، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره من خصائصه التي خصه الله بها وأمته قال صلى الله عليه وسلم : صفة التيمم المشروعة أن ينوي الإنسان أنه يتيمم لقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : فأجاب بقوله : عليه أن يستعمل الماء أولا ثم يتيمم للباقي، لأنه لو تيمم مع وجود الماء لم يصدق عليه أنه عادم للماء ، ودليل ذلك قول الله تعالى : فإن قيل : إنه هذا جمع بين البدل والمبدل منه فكيف يصح؟ فنقول : إن التيمم هنا ليس عن الأعضاء المغسولة، ولكنه عن الأعضاء التي لم تغسل فهو شبيه بالمسح على الخفين من بعض الوجوه، لأن فيه غسل لبعض الأعضاء التي تغسل ومسح على الخف بدلا عن غسل الرجل التي تحته ، فهنا جمع بين بدل ومبدل منه . فأجاب قائلا : عليه أن يغتسل ويصلي الصلاة، ولو بعد الوقت، وذلك لأن النائم يكون وقت الصلاة في حقه وقت استيقاظه،لقول النبي صلى الله عليه وسلم: فأجاب قائلا : لا يتيمم لها، إن أمكن هذا المريض أن يغسل هذه النجاسة غسلها، وإلا صلى بحسب حاله بلا تيمم، لأن التيمم لا يؤثر في إزالة النجاسة، وذلك أن المطلوب تخلي البدن عن النجاسة، وإذا تيمم لها فإن النجاسة لا تزول عن البدن، ولأنه لم يرد التيمم عن النجاسة، والعبادات مبناها على الاتباع . فأجاب بقوله : إذا كان على الإنسان نجاسة وهو لا يستطع إزالتها فإنه يصلي بحسب حاله ولا يتيمم لها ، ولكن يخفف النجاسة ما أمكن بالحك أو ما أشبه ذلك ، وإذا كانت مثلا في ثوب يمكنه خلعه ، ويستتر بغيره، وجب عليه أن يخلعه ويستتر بغيره. فأجاب - حفظه الله تعالى - قائلا : نقول له خفف عنك ما أمكن من هذه النجاسة ، فإذا كانت في ثوب وعليك ثوبان ، فاخلع هذا الثوب النجس وصل بالطاهر، وإذا كان عليك ثوبان كلاهما نجس أو ثلاثة وكل منها نجس ، فخفف ما أمكن من النجاسة، وما لم يمكن إزالته أو تخفيفه من النجاسة ، فإنه لا حرج عليك لقول الله تعالى : فأجاب بقوله : القول الراجح أنه لا يشترط للتيمم أن يكون بتراب فيه غبار، بل إذا تيمم على الأرض أجزأه سواء كان فيها غبار أم لا ، وعلى هذا فإذا نزل المطر على الأرض، فيضرب الإنسان بيديه على الأرض ويمسح وجهه وكفيه، وإن لم يكن للأرض غبار في هذه الحال، لقول الله تعالى : وأما قوله تعالى : فأجاب بقوله : لا يجب عليه إعادة الصلاة إذا كان حين التيمم لا يستطيع استعمال الماء، لأن الله عز وجل قال: فأجاب بقوله : إذا أصابت الرجل جنابة أو المرأة وكان مريضا لا يتمكن من استعمال الماء، فإنه في هذه الحال يتيمم لقول الله تبارك وتعالى : والتيمم رافع للحدث مطهر للمتيمم لقول الله تعالى حين ذكر التيمم، وقبله الوضوء والغسل قال سبحانه وتعالى : وثبت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : فأجاب - أعلى الله درجته في المهديين - بقوله : الجدار من الصعيد الطيب ، فإذا كان الجدار مبنيا من الصعيد سواء كان حجرا أو كان مدرا - لبنا من الطين - ، فإنه يجوز التيمم عليه، أما إذا كان الجدار مكسوا بالأخشاب أو (بالبوية) فهذا إن كان عليه تراب - غبار - فإنه يتيمم به ولا حرج ، ويكون كالذي يتيمم على الأرض، لأن التراب من مادة الأرض، أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس من الصعيد في شيء ، فلا يتيمم عليه. وبالنسبة للفرش نقول : إن كان فيها غبار فليتيمم عليها ، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد . فأجاب بقوله : جواب هذا السؤال يتضح مما سبق وهو أن التيمم رافع للحدث، فحينئذ له أن يصلي الفريضة - وإن كان يتيمم لنافلة - كما لو توضأ لنافلة جاز له أن يصلي بذلك الوضوء الفريضة ، ولا يجب إعادة التيمم إذا خرج الوقت، ما لم يوجد ناقض. فأجاب بقوله : إذا وجد المتيمم الماء في الصلاة، فهذه المسالة محل خلاف بين أهل العلم . فمنهم من قال : إن التيمم لا يبطل بوجود الماء حينئذ لأنه شرع في الصلاة على وجه مأذون فيه شرعا، فلا يخرج منها إلا بدليل شرعي . ومنهم من قال : إنه يبطل التيمم بوجود الماء في الصلاة، واستدلوا بعموم قوله تعالى : أما إذا وجد الماء بعد الصلاة ، فإنه لا يلزمه أن يعيد الصلاة، لما رواه أبو داود وغيره في قصة الرجلين اللذين تيمما ثم صليا وبعد صلاتهما وجدا الماء في الوقت ، فأما أحدهما فلم يعد الصلاة وأما الآخر فتوضأ وأعاد الصلاة ، فلما قدما أخبرا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام للذي لم يعد : فإن قال قائل : أنا أريد الأجر مرتين . قلنا : إنك إذا علمت بالسنة فخالفتها فليس لك الأجر مرتين ، بل تكون متبتدعا ، والذي في الحديث لم يعلم بالسنة، فهو مجتهد فصار له أجر العملين العمل الأول والثاني . فإن قيل : المجتهد إذا أخطأ فليس له إلا أجر واحد كما جاء في الحديث : فالجواب : أن هذا عمل عملين بخلاف الحاكم المخطئ ، فإنه لم يعمل إلا عملا واحدا فلم يحكم مرتين . بهذا يتبين لنا أن موافقة السنة أفضل من كثرة العمل، فإذا قال قائلا مثلا : أنا أريد أن أطيل ركعتي الفجر لفضل الوقت، وكثرة العمل، قلنا له : لم تصب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف ركعتي الفجر كما جاء ذلك في حديث عائشة - رضي الله عنها - ومثال ذلك أيضا لو قال: أريد أن أطيل ركعتي الطواف، قلنا : لم تصب السنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخففهما وهذه فائدة مهمة على طالب العلم أن يعيها. والله الموفق . فأجاب بقوله : أولا : يترجح تأخير الصلاة إلى آخر الوقت في حالين : الأول: إذا علم وجود الماء ، فالأفضل أن يؤخر الصلاة ولا يقال بالوجوب، لأن علمه بذلك ليس أمرا مؤكدا، لأنه قد يتخلف المعلوم . الثاني : إذا ترجح عنده وجود الماء، فيؤخر الصلاة ، لأن في ذلك محافظة على شرط من شروط الصلاة، وهو الطهارة بالماء، لأن في ذلك محافظة على شروط الصلاة، وهو الطهارة بالماء ، وفي الصلاة أول الوقت محافظة على فضيلة فقط ، وعلى هذا يكون التأخير والطهارة والطهارة بالماء أفضل . ثانيا : يترجح تقديم الصلاة في أول وقتها في ثلاث حالات : الأولى : إذا علم أنه لن يجد الماء . الثانية : إذا ترجح أنه لن يجد الماء . الثالثة : إذا تردد فلم يترجح عنده شيء .
فاجاب بقوله : النجاسات الحكمية هي النجاسة الواردة على مكان طاهر، فهذه يجب علينا أن نغسلها ، وأن ننظف المحل الطاهر منها، فيما إذا كان يقتضي الطهارة. وكيفية تطهير ما أصابت النجاسة تختلف بحسب المواضع وبحسب جنس النجاسة . أولا : إذا كانت النجاسة على الأرض، فإنه يكتفى بصب الماء عليها بعد إزالة عينها إن كانت ذات جرم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة حين بال الرجل في طائفة المسجد : ثانيا : إذا كانت النجاسة على غير الأرض وهي نجاسة كلب ، فإنه لابد من تطهيرها من سبع غسلات إحدها بالتراب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ثالثا : إذا كانت النجاسة على غير الأرض وليست نجاسة كلب، فإن القول الراجح أنها تطهر بزوالها على أي حال كان، سواء زالت بأول غسلة أو بالغسلة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة ، المهم متى زالت عين النجاسة فإنها تطهر ، لكن إذا كانت النجاسة بول غلام صغير لم يأكل الطعام ، فإنه يكفي أن تغمر بالماء المحل النجس وهو ما يعرف عند العلماء بالنضح ، ولا يحتاج إلى غسل ودلك ، لأن نجاسة بول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام نجاسة مخففة . فأجاب قائلا : اقتناء الكلاب لا يجوز إلا في ما رخص فيه الشارع، والنبي عليه الصلاة والسلام ، رخص من ذلك في ثلاث كلاب : كلب الماشية يحرسها من السباع والذئاب ، وكلب الزرع من المواشي والأغنام وغيرها ، وكلب الصيد ينتفع به الصائد، هذه الثلاثة التي رخص النبي صلى الله عليه وسلم فيها باقتناء الكلب فما عداها فإنه لا يجوز، وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أن يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرما لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أن يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، أما لو كان هذا البيت في البر خاليا ليس حوله أحد فإنه يجوز أن يقتنى الكلب لحراسه البيت ومن فيه ، وحراسة أهل البيت أبلغ في الحفاظ من حراسة المواشي والحرث . وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد، وإن كان مسه برطوبة فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم، ويجب غسل اليد بعده سبع مرات ، إحداها بالتراب . وأما الأواني التي بعده إذا ولغ في الأناء أي شرب منه يجب غسل الإناء سبع مرات إحداها بالتراب كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم : فأجاب بقوله : الحديث المشار إليه وجدته في صحيح البخاري عن ابن عمر قال فقال أبو داود : إن الأرض إذا يبست طهرت، واستدل بهذا الحديث، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام فإنه ذكر أن الأرض تطهر بالشمس والريح، واستدل بهذا الحديث . وذهب بعض العلماء إلى أن قوله : (وتبول) يعني في غير المسجد وأن الذي في المسجد إنما هو الإقبال والإدبار لكن هذا التخريج ضعيف ، لأنها لو كانت لا تبول في المسجد لم يكن فائدة في قوله : والذي يظهر لي أن كلام شيخ الإسلام هو الصحيح وأن الأرض إذا أصابتها النجاسة فيبست حتى زال أثرها فإنها تطهر لأن الحكم يدور مع علته، فإذا لم يبق للنجاسة أثر صارت معدومة فتطهر الأرض بذلك.
فأجاب قائلا : إذا زالت عين النجاسة بأي مزيل كان، فإن المكان يطهر، لأن النجاسة عين خبيثة فإذا زالت زال ذلك الوصف وعاد الشيء إلى طهارته ، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وإزالة النجاسة ليست من باب المأمور به حتى يقال : لابد من فعله، بل هو من باب اجتناب المحظور، ولا يرد على هذا حديث بول الأعرابي في المسجد ، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدنوب من ماء فأريق على بوله ، لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصب الماء عليه لأجل المبادرة بتطهيره، لأن الشمس لا يحصل بها التطهير الفوري، بل يحتاج إلى أيام ، لكن الماء يطهره في الحال، والمسجد يحتاج إلى المبادرة بتطهيره، ولذلك ينبغي للإنسان أن يبادر بإزالة النجاسة، لأن هذا هو هدي النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولأن فيه تخلصا من النجاسة ، وحتى لا ينسى الإنسان هذه النجاسة أو ينسى مكانها. فأجاب قائلا : الدخان ليس بنجس نجاسة حسية بلا ريب ، لأنه نبات وإنما كان حراما لما يترتب عليه من الأضرار البدنية والمالية والاجتماعية، ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجسا، فهذا الخمر حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين وليس بنجس نجاسة حسية على القول الراجح ، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما – فأجاب قائلا : الصحيح في هذه المسألة أن بول الذكر الذي يتغذى باللبن خفيف النجاسة، وأنه يكفي في تطهيره النضح ، وهو أن يغمره بالماء يصب عليه الماء حتى يشمله بدون فرك . وبدون عصر، وذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جيء بابن صغير فوضعه في حجره فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله، أما بالنسبة للأنثى فلابد من غسل بولها، لأن الأصل أن البول نجس ويجب غسله لكن يستثنى الغلام الصغير لدلالة السنة عليه . فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله : هذه المسألة وهي نجاسة الخمر، إن أريد بالنجاسة النجاسة المعنوية ، فإن العلماء مجمعون على ذلك ، فإن الخمر نجس وخبيث، ومن أعمال الشيطان؛ وإن أريد بها النجاسة الحسية فإن المذاهب الأربعة وعامة الأمة على إنها نجسة ، يحب التنزة منها وغسل ما أصابته من ثوب أو بدن ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها ليست نجسة نجاسة حسية بل أن نجاستها معنوية عملية . فالذين قالوا : إنها نجسة نجاسة حسية ومعنوية استدلوا بقوله تعالى : وأما الذين قالوا بطهارة الخمر طهارة حسية، أي أن الخمر نجس نجاسة معنوية لا حسية، فقالوا : إن الله سبحانه وتعالى قيد في سورة المائدة ذلك الرجس بقوله : وقالوا أيضا : إنه ثبت أنه لما نزل تحريم الخمر أراقها المسلمون في الأسواق، ولو كانت نجسة ما جازت إراقتها في الأسواق لأن تلويث الأسواق بالنجاسات محرم ولا يجوز . وقالوا أيضا : إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لما حرمت الخمر ، لم يأمر بغسل الأواني منها ولو كانت نجسة لأمر بغسل الأواني منها كما أمر بغسلها من لحوم الحمر الأهلية حين حرمت . وقالوا أيضا : قد ثبت في صحيح مسلم قالوا : فهذا دليل على أن الخمر ليس نجسا نجاسة حسية ، ولو كانت حسية لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الراوية ونهاه عن إراقتها هناك . وقالوا أيضا ، الأصل في الأشياء الطهارة حتى يوجد دليل بين يدل على النجاسة، وحيث لم يوجد دليل بين يدل على النجاسة ، فإن الأصل أنه طاهر ، لكنه خبيث من الناحية العملية المعنوية ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجسا، ألا ترى أن السم حراما وليس بنجس، فكل نجس حرام وليس كل حرام نجسا . وبناء على ذلك نقول في الكولونيا وشبهها : إنها ليست بنجسة لأن الخمر ذاته ليس بنجس على هذا القول الذي ذكرناه أدلته، فتكون الكولونيا وشبهها ليست بنجسة أيضا ، وإذا لم تكن نجسة فإنه لا يجب تطهير الثياب منها . ولكن يبقى النظر : هل يحرم استعمال الكولونيا كطيب يتطيب به الإنسان أو لا يحرم؟ لننظر ، يقول الله تعالى في الخمر : {فاجتنبوه} وهذا الاجتناب مطلق لم يقل اجتنبوه شربا أو استعمالا أو ما أشبه ذلك ، فالله أمر أمرا مطلقا بالاجتناب ، فهل يشمل ذلك مالو استعمله الإنسان كطيب أو نقول : إن الاجتناب المأمور به هو ما علل به الحكم وهو اجتناب شربه، لقوله تعالى : ولكننا نقول إن الأحوط للإنسان أن يتجنبه حتى للتطيب، وأن يبتعد عنه لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة، إلا أننا نرجع مرة ثانية إلى هذه الأطياب ، هل النسبة التي تؤدي إلى الإسكار أو أنها نسبة قليلة لا تؤدي إلى الإسكار؟ لأنه إذا اختلط الخمر بشيء ثم لم يظهر له أثر ولو أكثر الإنسان منه، فإنه لا يوجب تحريم ذلك المخلوط به، لأنه لما لم يظهر له أثر لم يكن له حكم ، إذ أن علة الحكم هي الموجبة له، فإذا فقدت العلة فقد الحكم ، فإذا كان هذا الخلط لا يؤثر في المخلوط فإنه لا أثر لهذا الخلط ، ويكون الشيء مباحا، فالنسبة القليلة في الكولونيا وغيرها إذا كانت لا تؤدي إلى الإسكار ولو أكثر الإنسان مثلا من شربه ، فإنه ليس بخمر ولا يثبت له حكم الخمر، كما أنه لو سقطت قطرة من بول في ماء، ولم يتغير بها، فإنه يكون طاهرا ، فكذلك إذا سقطت قطرة من خمر في شيء لم يتأثر بها ، فإنه لا يكون خمرا، وقد نص على ذلك أهل العلم في باب حد المسكر . ثم إنني أنبه هنا على مسألة تشتبه على بعض الطلبة، وهي أنهم يظنون أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ولكني مع هذا لا أستعمل هذه الأ طياب (الكولونيا) ولا أنهى عنها، إلا إذا أنه أصابني شيء من الجروح أو شبهها واحتجت إلى ذلك فإني أستعمله لأن الاشتباه يزول حكمه مع الحاجة إلى هذا الشيء المشتبه، فإن الحاجة أمر يدعو إلى الفعل ، والاشتباه إنما يدعو إلى الترك على سبيل التورع والاحتياط، ولا ينبغي للإنسان أن يحرم نفسه شيئا احتاج إليه وهو لم يجزم بمنعه وتحريمه، وقد ذكر أهل العلم هذه القاعدة بأن المشتبه إذا احتاج إليه فإنه يزول حكم الاشتباه. والله أعلم . فأجاب بقوله : من المعلوم أن مادة الكحول تستخرج غالبا من الخشب وجذور القصب وأليافه، ويكثر جدا في قشور الحمضيات كالبرتقال والليمون ، كما هو مشاهد، وهي عبارة عن سائل قابل للاحتراق سريع التبخر، وهو لو استعمل مفردا لكان قاتلا أو ضار أو مسببا للعاهات ، لكنه إذا خلط بغيره بنسبة معينة جعل ذلك المخلوط مسكرا، فالكحول نفسها ليست تستعمل للشرب والسكر بها، ولكنها تمزج بغيرها فيحصل السكر بذلك المخلوط. وما كان مسكرا فهو خمر محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، لكن هل هو نجس العين كالبول والعذرة؟ أو ليس بنجس العين ونجاسته معنوية؟ هذا موضع خلاف بين العلماء، واتفق جمهورهم على أنه نجس العين، والصواب عندي أنه ليس بنجس العين بل نجاسته معنوية وذلك للآتي: أولا : لأنه لا دليل على نجاسته، وإذا لم يكن دليل على نجاسته فهو طاهر، لأن الأصل في الأشياء الطهارة، وليس كل محرم يكون نجسا ، والسم محرم ليس بنجس، وأما قوله تعالى: قلنا : إن استعمالها في غير الشرب جائز لعدم انطباق هذه ثانيا: أن الخمر لما نزل تحريمها أريقت في أسواق المدينة، ولو كانت نجسة العين لحرمت إراقتها في طرق الناس كما يحرم إراقة البول في تلك الأسواق. ثالثا : أن الخمر لما حرمت، لم يأمرهم النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بغسل الأواني منها،كما أمرهم بغسل الأواني من لحوم الحمر الأهلية حين حرمت، ولو كانت نجسة العين لأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أوانيهم منها. وإذا تبين أن الخمر ليست نجسة العين، فإنه لا يجب غسل ما أصابته من الثياب والأواني وغيرها، ولا يحرم استعمالها في غير ما حرم استعمالها فيه، وهو الشرب ونحوه مما يؤدي إلى المفاسد التي جعلها الله مناط الحكم في التحريم . فإن قيل أليس الله تعالى يقول : {فَاجْتَنِبُوهُ} وهذا يقتضي اجتنابه على أي حال؟ فالجواب: أن الله تعالى علل الأمر بالاجتناب بقوله : فإن قيل : أليست الخمر حرمت أريقت؟ قلنا : بلى، وذلك مبالغة في سرعة الامتثال وقطع تعلق النفوس بها، ثم إنه لا يظهر لنا أن لها منفعة في ذلك الوقت تستبقي لها. والله أعلم . فأجاب فضيلته بقوله : استعمال الكحول في تعقيم الجروح لا بأس به للحاجة لذلك، وقد قيل إن الكحول تذهب العقل بدون إسكار، فإن صح ذلك فليست خمرا ، وإن لم يصح وكانت تسكر فهي خمر، وشربها حرام بالنص والإجماع. وأما استعمالها في غير الشرب ، فمحل نظر، فإن نظرنا إلى قوله تعالى : الأول : أنه لا دليل على نجاستها ، وإذا لم يكن دليل على ذلك فالأصل الطهارة ولا يلزم من تحريم الشيء أن تكون عينه نجسة ، فهذا السم حرام وليس بنجس، وأما قوله تعالى : الثاني : أن السنة تدل على طهارة الخمر طهارة حسية، ففي صحيح مسلم ص 1206ط الحلبي تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي: عن ابن عباس - رضي الله عنهما – قال الشيخ محمد رشيد رضا في فتاواه ص1631 من مجموعة فتاوى المنار: وخلاصة القول، أن الكحول مادة طاهرة مطهرة وركن من أركان الصيدلة، والعلاج الطبي، والصناعات الكثيرة، وتدخل فيما لا يحصى من الأدوية، وأن تحريم استعمالها على المسلمين يحول دون إتقانهم لعلوم وفنون وأعمال كثيرة، هي من أعظم أسباب تفوق الإفرنج عليهم، كالكيمياء والصيدلة والطب والعلاج والصناعة، وإن تحريم استعمالها في ذلك ، قد يكون سببا لموت كثير من المرضى والمجروحين أو لطول مرضهم وزيادة آلامهم ا هـ . وهذا كلام جيد متين . رحمه الله تعالى . وأما خلط بعض الأدوية بشيء من الكحول، فإنه لا يقتضي تحريمها، إذا كان الخلط يسيرا لا يظهر له أثر مع المخلوط ، كما أن على ذلك أهل العلم . قال في المغني ص 306 جـ 8ط النار : وإن عجن به -أي بالخمر- دقيقا ثم خبزه وأكله لم يحد، لأن النار أكلت أجزاء الخمر فلم يبق إلا أثره ا هـ . وفي الإقناع وشرحه ص 71 جـ 4ط مقبل : ولو خلطه - أي المسكر - بماء فاستهلك المسكر فيه أي الماء، ثم شربه لم يحد، لأنه باستهلاكه في الماء لم يسلب اسم الماء عنه، أو داوى به - أي المسكر - جرحه لم يحد، لأنه لم يتناوله شربا ولا في معناه ا هـ . وهذا هو مقتضى الأثر والنظر . أما الأثر فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وأما كون هذا مقتضى النظر : فلأن الخمر إنما حرمت من أجل الوصف الذي اشتملت عليه وهو الإسكار ، فإذا انتفى هذا الوصف انتفى التحريم، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما إذا كانت العلة مقطوعا بها بنص أو إجماع كما هنا . وقد توهم بعض الناس أن المخلوط بالخمر حرام مطلقا ولو قلت نسبة الخمر فيه ، بحيث لا يظهر له أثر في المخلوط ، وظنوا أن هذا هو معنى حديث : الفرق : مكيال يسع ستة عشر رطلا ، ومعنى الحيث أنه إذا وجد شراب لا يسكر منه إلا الفرق، فإن ملء الكف منه حرام فهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم : 1- أن الدم المسفوح ، هو الذي وقع فيه الخلاف، أما غير المسفوح كدم الجروح وسواها فلم يقل أحد بنجاسته.
2- أن المحدثين لم يشيروا أبدا إلى التحريم إلا للدم المسفوح وكذلك أشار المفسرون .
3- أنه لا يوجد دليل واحد صحيح يفيد بنجاسة الدم، إلا ما كان من إشارة بعض الفقهاء، وهؤلاء لا دليل عندهم ، وما دام الدليل لم يوجد، فالأصل طهارة الدم فلا تبطل صلاة من صلى وعلى ثوبه بقع دم؟ فأجاب بقوله : ما ذكرتم في رقم 1 فلو رجع القائل إلى كلام أهل العلم لوجد أن الأمر على خلاف ما ذكر ، فإن الدم المسفوح لم نعلم قائلا بطهارته كيف وقد دل القرآن على نجاسته كما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى، وقد نقل الاتفاق على نجاسته ابن رشد في بداية المجتهد، فقال ص 76ط الحلبي: وأما أنواع النجاسات فإن العلماء اتفقوا من أعيانها على أربعة، وذكر منها : الدم من الحيوان الذي ليس بمائي انفصل من الحي أو الميت إذا كان مسفوحا أي كثيرا ، وقال في ص79 منه : اتفق العلماء على أن دم الحيوان البري نجس. ا هـ لكن تفسيره للمسفوح بالكثير مخالف لظاهر اللفظ ولما ذكره البغوي في تفسيره ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه ما خرج من الحيوان وهو حي وما يخرج من الأوداج عند الذبح، وذلك لأن المسفوح هو المراق السائل لا يقيد كونه كثيرا. اللهم إلا أن يريد ابن رشد بهذا القيد محل الاتفاق حيث عفا كثير من أهل العلم عن يسير الدم المسفوح، لكن العافون عنه لم يجعلوه طاهرا وإنما أرادوا دفع المشقة بوجوب تطهير اليسير منه. وقد نقل القرطبي في تفسيره ص 221جـ 2ط دار الكاتب اتفاق العلماء على أن الدم حرام نجس، وقال النووي في شرح المهذب ص 511جـ 2ط المطيعي: والدلائل على نجاسة الدم متظاهرة ولا أعلم فيه خلافا عن أحد من المسلمين إلا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعض المتكلمين أنه قال طاهر ا هـ . والظاهر أن الإطلاق في كلامي القرطبي والنووي مقيد بالمسفوح والله اعلم . وأما غير المسفوح الذي مثل له بدماء الجروح وسواها وذكر أنه لم يقل أحد بنجاسته مع أن قوله (وسواها) يشمل دم الحيض الذي دلت السنة على نجاسته كما سيأتي إن شاء الله . فلو رجع القائل إلى كلام أهل العلم لوجد أن كلام أهل العلم صريح في القول بنجاسته أو ظاهر. قال الشافعي - رحمه الله - في الأم ص67 جـ 1ط دار المعرفة بعد ذكر حديث أسماء في دم الحيض : وفي هذا دليل على أن دم الحيض نجس وكذا كل دم غيره. وفي ص56 منه مثل للنجس بأمثلة منها : العذرة والدم. وفي المدونة ص38 جـ 1ط دار الفكر عن مالك - رحمه الله - ما يدل على نجاسة الدم من غير تفصيل . ومذهب الإمام احمد في ذلك معروف نقله عنه أصحابه . وقال ابن حزم في المحلى ص102 جـ 1ط المنيرية ك وتطهير دم الحيض أو أي دم كان سواء دم سمك كان أو غيره أو كان في الثوب أو الجسد فلا يكون إلا بالماء حاشا دم البراغيث ودم الجسد فلا يلزم تطهيرهما إلا ما حرج في غسله على الإنسان فيطهر المرء ذلك حسب ما لا مشقة عليه فيه . ا هـ . وقال الفروع (من كتب الحنابلة) ص253 جـ 1ط دار مصر للطباعة: ويعفى على الأصح عن يسير دم وما تولد منه (و) وقيل من بدن ا هـ . والرمز بالواو في اصطلاحه إشارة إلى وفاق الأئمة الثلاثة ومقتضىهذا ان الدم نجس عند الأئمة الأربعة لأن التعبير بالعفو عن يسيره يدل على نجاسته . وقال في الكافي (من كتب الحنابلة أيضا) ص 110/ جـ 1 ط المكتب الإسلامي : والدم نجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في الدم وقال في المهذب (من كتب الشافعية) ص511 جـ 2ط المطيعي : وأما الدم فنجس ثم ذكر في دم السمك وجهين أحدهما نجس كغيره والثاني طاهر . وقال في جواهر الإكليل (من كتب المالكية) ص9 جـ 1 ط الحلبي في عد النجاسات : ودم مسفوح أي جار بذكاة أو فصد وفي ص11 منه فيما يعفى عنه من النجاسات : ودون درهم من دم مطلقا عن تقييده بكونه من بدن المصلي أو غير حيض وخنزير أو في بدن أو ثوب أو مكان ا هـ . وقال في شرح مجمع الأنهر (من كتب الحنفية) ص51-52 جـ 1 ط عثمانية: وعفى قدر الدرهم من نجس مغلظ كالدم والبول ثم ذكر ص 53 منه أن دم السمك والبق والقمل والبرغوث والذباب طاهر . فهذه أقوال أهل العلم من أهل المذاهب المتبوعة وغيرهم صريحة في القول بنجاسة الدم واستثناؤهم ما استثنوه دليل على العموم فيما سواه، ولا يمكن إنكار أن يكون أحد قال بنجاسة بعد هذه القول عن أهل العلم . وأما ما ذكر في رقم 2فالكلام في نجاسة الدم لا في تحريمه، والتحريم لا يلزم منه التنجيس فهذا السم حرام وليس بنجس فكل نجس محرم وليس كل محرم نجسا، فنقل الكلام من البحث في نجاسته إلى تحريمه غير جيد . ثم إن التعبير بأن ثبوت تحريمه كان بإشارة المحدثين والمفسرين مع أنه كان بنص القرآن القطعي غير سديد، فتحريم الدم المسفوح كان بنص القرآن القطعي المجمع عليه لا بإشارة المحدثين والمفسرين كما يعلم. وأما ما ذكر في رقم 3 فإن سياق كلامكم يدل على أنكم تقصدون بالدم المسفوح فقط أو هو وغيره لأنكم ذكرتم أن غير المسفوح لم يقل أحد بنجاسته، وأن موضع الخلاف هو الدم المسفوح، ولو رجعتم إلى الكتاب والسنة لوجدتم فيهما ما يدل على نجاسة الدم المسفوح ودم الحيض ودم الجرح . فأما نجاسة الدم المسفوح ففي القرآن قال الله تعالى : وكذلك من قصره على لحم الخنزير معللا بأنه لو كان الضمير للثلاثة لقال: فإنها أو فإنهن ، فجوابه : أنا لا نقول إن الضمير للثلاثة بل هو عائد إلى الضمير المستتر في - يكون - المخبر عنه بأحد الأمور الثلاثة . ويدل على أن وصف الرجس للثلاثة ما دلت عليه السنة من نجاسة الميتة، ففي السنن عن ميمونة -رضي الله عنها – وبهذا تقرر دلالة القرآن على نجاسة الدم المسفوح . وأما نجاسة دم الحيض، ففي الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال لفاطمة بنت أبي حبيش : وأما نجاسة دم الجرح : ففي الصحيحين من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - في قصة جرح وجه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد قال : فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم، وكان علي بن أبي طالب يسكب عليها بالمجن، هذا لفظ مسلم. وهذا وإن كان قد يدعى مدع أن غسله للتنظيف لا للتطهير الشرعي، أو أنه مجرد فعل والفعل المجرد لا يدل على الوجوب ، فإن جوابه أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش بغسل الدم قرينة على ان غسل الدم من وجه النبي صلى الله عليه وسلم كان تطهيرا شرعيا متقررا عندهم . وأما ما ورد عن بعض الصحابة مما يدل ظاهره على أنه لا يجب غسل الدم والتطهير منه، فإنه على وجهين : أحدهما : أن يكون يسيرا يعفى عنه مثل ما يروى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه لا يرى بالقطرتين من الدم في الصلاة بأسا، وأنه يدخل أصابعه في أنفه فيخرج عليها الدم فيحته ثم يقوم فيصلي، ذكر ذلك عنه ابن أبي شيبة في مصنفه. الثاني : أن يكون كثيرا لا يمكن التحرر منه، مثل ما رواه مالك في الموطأ عن المسور بن مخرمة، أن عمر بن الخطاب حين طعن، صلى وجرحه يثغب دما، فإن هذا لا يمكن التحرز منه إذا لو غسل لا ستمر يخرج، فلم يستفد شيئا ، وكذلك ثوبه لو غيره بثوب آخر - إن كان له ثوب أخر - لتلوث الثوب الآخر فلم يستفد من تغييره شيئا، فإذا كان الوارد عن الصحابة لا يخرج عن هذين الوجهين، فإنه لا يمكن إثبات طهارة الدم بمثل ذلك ، والذي يتبين من النصوص فيما نراه في طهارة الدم ونجاسته ما يلي : أ-الدم السائل من حيوان مييته نجسة، فهذا نجس كما تدل عليه الآية الكريمة. ب - دم الحيض، وهو نجس كما يدل عليه حديثا عائشة وأسماء - رضي الله عنهما - جـ - الدم السائل من بني آدم، وظاهر النصوص وجوب تطهيره إلا ما يشق التحرز منه كدم الجرح المستمر ، وإن كان يمكن أن يعارض هذا الظاهر بما أشرنا إليه عند الكلام على غسل جرح النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وبأن أجزاء الآدمي إذا قطعت كانت طاهرة عند أكثر أهل العلم ، فالدم من باب أولى، لكن الاحتياط التطهر منه لظاهر النصوص ، واتقاء الشبهات التي من اتقاها استبرأ لدينه وعرضه. د- دم السمك وهو طاهر لأنه إذا كانت ميتته طاهرة كان ذلك دليلا على طهارته فإن تحريم الميتة من أجل بقاء الدم فيها بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : أحدهما : إنهار الدم الثاني : ذكر اسم الله تعالى . الأول حسي، والثاني معنوي . هـ - دم الذباب والبعوض وشبهه لأن ميتته طاهرة كمل دل عليه حديث أبي هريرة في الأمر بغمسه إذا وقع في الشراب ، ومن الشراب ما هو حار يموت به، وهذا دليل على طهارة دمه لما سبق من علة تحريم الميتة . و- الدم الباقي بعد خروج النفس من حيوان مذكى لأنه كسائر أجزاء البهيمة وأجزاؤها حلال طاهرة بالتذكية الشرعية، فكذلك الدم كدم القلب والكبد والطحال . هذا ما ظهر لنا، ونسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا صراطه المستقيم .
|